فإن المتأمل في أحوال الناس، يجد أن المجتمعات لا تخلو من
المشاكل، وأن الكثير من الاعتداءات على الأرواح وضياع الحقوق وتشتت أفراد الأسرة
الواحدة، إنما يرجع أكثره إلى التهاون في الإصلاح بين المتخاصمين، حتى عمَّ
الشَرُّ؛ القريبَ والبعيد، وأُهلِكت النفوس والأموال وقطع ما أمر الله به أن يوصل،
وقد كان يكفي لإزالة ما في النفوس من الأضغان والأحقاد والكراهية، كلمةٌ واحدةٌ من
عاقل لبيب، ناصح مخلص، تقضي على الخصومات في مهدها فيتغلب جانب الخير ويرتفع الشر
ويسلم المجتمع من التصدع والانشقاق.
الصلح بين [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وصّية
ربَّانيةٌ
قال تعالى:
(( من يشفع شفاعة حسنة يكن له
نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا
))
[النساء: 85]
قال الإمام القرطبي رحمه الله: "من شفع شفاعة حسنة لصلح
بين اثنين، استوجب الأجر".
[الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
/ ج5 ص295]قال سبحانه:(( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا
وتصلحوا بين [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]والله
سميع عليم ))[البقرة:
224]قال الإمام ابن جرير الطبري-
رحمه الله: لا تجعلوا الله قوة لأيمانكم في أن لا تبروا ولا تتقوا ولا
تصلحوا بين الناس، ولكن إذا حلف أحدكم فرأى الذي هو خير مما حلف عليه مِنْ ترك البر
والإصلاح بين الناس، فليحنث في يمينه، وليبر، وليتق الله، وليصلح بين
الناس.
وقال جل شأنه:(( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف
أو إصلاح بين [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ومن يفعل
ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ))[النساء: 114]
قال الإمام ابن
جرير الطبري رحمه الله: "لا خير في كثير من نجوى
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]جميعًا
إلا من أمر بصدقة أو معروف، والمعروف هو كل ما أمر الله به أو ندب إليه من أعمال
البِّر والخير"، أو إصلاح بين الناس، وهو الإصلاح بين المتباينين أو المختصمين بما
أباح الله الإصلاح بينهما ليتراجعا إلى ما فيه من الألفة واجتماع الكلمة على ما أذن
الله وأمر به ومن يأمر بصدقة أو معروف من الأمر أو يصلح بين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ابتغاء
مرضاة الله، فسوف نعطيه جزاءً لما فعل من ذلك عظيمًا، ولا حَدَّ لمبلغ ما سمى الله
عظيمًا يَعْلَمهُ سواه.
الصُّلْحُ في السُّنَّةروى الشيخان عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى
الله عليه وسلم قال: (( كل
سُلامى من [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عليه
صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله
عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة
صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة )).
[البخاري حديث / 2989- مسلم
حديث / 1009]
قال الإمام النووي رحمه
الله: قوله
صلى الله عليه وسلم : ( تعدل
بين الاثنين صدقة ) أي تصلحُ بينهما بالعدل.
[مسلم بشرح
النووي / ج4 ص103]وروى أبو داود عن أبي
الدرداء أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:
(( ألا أخبركم بأفضل من درجة
الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله،
قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة )).
[حديث صحيح، صحيح
أبي داود للألباني حديث / 4111]قال محمد
شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله: في هذا الحديث حث وترغيب في إصلاح ذات
البين واجتناب الإفساد فيها، لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله وعدم التفريق بين
المسلمين، وفساد ذات البين ثُلْمة في الدين، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها، نال
درجة فوق ما يناله الصائم القائم، المشتغل بخويصة نفسه.
جواز الأخذ من الزكاة للصلح بين
الناس:
مما يدل على عناية الشريعة الإسلامية
بالصلح بين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]أنه يجوز
للمصلح بين المتخاصمين أن يُعْطَى من الزكاة أو من بيت المال لأداء ما تحمله من
ديون في سبيل الإصلاح بين الناس.
قال تعالى:
(( إنما الصدقات للفقراء
والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله
وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ))[التوبة: 60]
قال الإمام القرطبي
رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى: "والغارمين" يجوز للمتحمل في صلاح
وبر أن يُعْطى من الصدقة ما يؤدى ما تحمل به إذا وجب عليه وإن كان غنيًا، إذا كان
يَجحفُ بماله كالغريم، وهو قول الشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل
وغيرهم.
روى مسلم عن قبيصة بن فخارق الهلالي
قال:(( تحملت حمالة، فأتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: أقم حتى
تأتينا الصدقة فنأمر لك بها". ثم قال: "يا قبيصة: إن المسألة لا تحل إلا لأحد
ثلاثة: رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك )).
[مسلم حديث / 1044]جماعة الإصلاح بين
الناس:
إن الله تعالى أكمل لنا الدين وأتم علينا
نعمته وبين لنا المنهج القويم لنسير عليه ليصبح المجتمع الإسلامي مجتمعًا تسوده
المودة والمحبة، ولذا ينبغي أن يكون في كل حي وفي كل شركة أو مصنع أو مدرسة أو
مؤسسة حكومية أو خاصة، جماعة من أهل الدين والفضل والعلم تقوم بالإصلاح بين
المتخاصمين، وتوقف الظالم عن ظلمه وترده إلى رشده وصوابه، وقد حثنا الله تعالى على
ذلك في كتابه العزيز،
فقال سبحانه: (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ))
[آل
عمران: 104]
وقال جل شأنه:(( وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون
))
[الأعراف: 181]وينبغي لهذه الطائفة المباركة أن تبذل
من وقتها وأموالها قدر طاقتها لحل المنازعات بين الناس، ولتعلم هذه الجماعة
المباركة أن لها منزلة عالية عند الله يوم القيامة.
روى
مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (( إن
المقسطين، عند الله، على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين،
الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا )).
[مسلم حديث /
1827]صفات مَنْ يُصِلحُ
بين الناس:
ذكر أهل العلم صفات ينبغي توافرها
فيمن يتصدى للإصلاح بين المتخاصمين، يمكن أن نجملها فيما
يلي:
أولاً: إخلاص العمل لله
وحده:قال تعالى:(( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين
(162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ))
[الأنعام: 162،
163].
وقال سبحانه: (( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن
عملك ولتكونن من الخاسرين (65) بل الله فاعبد وكن من الشاكرين
))
[الزمر: 65، 66]